الميكروبيوم والحالة النفسية

الميكروبيوم والحالة النفسية
يشتمل الميكروبيوم على المجموعة الكاملة من الكائنات الحية الدقيقة في مكان معين، مثل الأمعاء البشرية. في هذا الميكروبيوم، 400 مليار من الكائنات الدقيقة من الفيروس والبكتيريا التي تعيش في جهازنا الهضمي. نعم، أكثرهم صديق لنا وربما ضروري لحياتنا، ل كن البعض منهم أحيانا ينقلب علينا ويسبب لنا الأمراض. فما هو هذا الميكروبيوم ؟
أثناء عملية الولادة، يدخل من مجرى الولادة عند الأم في فم الوليد كمية من هذه الكائنات، فتسكن أمعاء الوليد، وتتكاثر دورة بعد دورة حتى يصبح عددها بالمليارات - آلاف الملايين. مجموع هؤلاء هو بيئة اسمها الميكروبيوم، أصلها من عند الأم عند الولادة. فما هو هذا الميكروبيوم؟ وما هو دوره؟ ما هي هذه المؤامرة علينا من داخل أجسادنا؟
سأجيبك باختصار: هذا الميكروبيوم، يحكمك تماما. إنه السبب في كثير من قراراتك. إن لك عقلا ثانيا في أمعائك... عرفت أم لم تعرف.
هذا السيروتونين، هو المسؤول عن شعورك بالسرور والرضا. عندما تمارس رياضتك المحببة او تشاهد فيلما يعجبك، عندما تأكل الطعام المفضل لديك، بل وحتى في علاقتك الحميمية، كل ذلك يدفع السيروتونين الى أوردتك فتشعر بالرضا والسرور والنشوة. %10 فقط من السيروتونين تأتي من الدماغ، فمن أين تأتي ال %90 الباقية؟ أرى أنك عرفت! من الأمعاء، من ذلك الميكروبيوم. ها نحن الآن نمسك بأول الخيط. دعني أساعدك في فهم المؤامرة. أما عن دوره، فالميكروبيوم يعيش في الطبقة المخاطية المبطنة للأمعاء، فهو أحد دفاعاتك ضد ارتشاح الامعاء. فكيف يؤثّر على قراراتك؟ إنك كثيرا ما تشعر برغبة شديدة بتناول طعامك المفضل، حتى ولو كان طعاما غير صحّي، أو تشعر برغبة جامحة بأكل الحلو من الطعام. والابتعاد عن تناول الخضروات والأطعمة المشوَّيّة والأغذية الصحية.
فما الذي يحدد الفرق بين الأشخاص المختلفين؟
أنت تشعر باللذة أثناء تناول هذا الطعام وأنا أشعر باللذة أثناء تناول الخضروات مثل القرنبيط الأخضرأو الكرفس او الجرجير! الميكروبات التي تعيش بداخلنا أكثر من نوع، فالنوع الذي يفضّل الأطعمة التي تتناولها يزداد عدده داخل جسمك، والنوع الشائع عندي هو الذي ي ُفضّل الخضروات والأغذية الصّحيّة. فإذا كُنت تتناول أطعمة ضارّة وغير صحيّة سيكون النوع الشائع عندك هو الذي ي ُفضّل هذه الأطعمة الضّارة، لذا إذا توقّفت عن تناولها ستكون في حال سيئ لأن هرمون السّعادة غير موجود، وإذا تناولت ساندويتش هامبرغر او وجبة من دجاج كنتاكي او شرائح البطاطا المقليّة او الشُوكُولاتة، ستشعر باللذة والسّعادة وأنك تريد تناول المزيد منها...
من يفعل ذلك بك؟
الميكروبيوم داخل جسمك هو الذي يرغب في هذا الطعام، وأنت من سمحت لهذه الميكروبات أن تنمو وتكبر
وتسيطر عليك. وهذا هو الأمر الأول الذي ي ُسبّب الرغبة الملحة للطعام.
الأمر الثاني، عند دخول هذه الميكروبات من جسم الأم إلى جسم الطفل عند الولادة، يكون لها دور في تكوين المناعة عند الأطفال فتدفع جسم الطفل لطرد الأجسام الغريبة الضّارة ومهاجمتها للتخل ُّص منها، كما
تمنعه من امتصاص الأغذية الضّارة. يحتوي لبن الأم على الميكروبيوم، وبدون الرّضاعة الطبيعيّة فالجذر والأساس الصّ حي غير موجود.
الميكروبيوم بيئة لها عقل وهي سبب رئيسي في تكوين المناعة الجيّدة، لذلك فالطفل الذي يولد عن طريق الولادة القيصري ّة تكون مناعته ضعيفة مدى الحياة لأنه لم يخرج من رحم الأم ومجرى الولادة الطبيعي عند الأم، بل أتى عن طريق شقّ البطن.
إذًا فالميكروبيوم هو الذي ي ُسبب الرغبة الملحة للطعام، ويدفعك لتناول الأغذية الضارّة، كما يؤثّر على المناعة. وله أيضا دور كبير في السّمنة والنّحافة. نعم، الميكروبيوم هو من يسمح للطعام بدخول الأمعاء والوصول إلى الدم، أو يمنع حدوث ذلك.
ولا يوجد نوعان متماثلان من الميكروبيوم، لذلك فإن أحدث صيحات الحمية اليوم هي أخذ عيّنة من الأمعاء
لفحصها ومعرفة أنواع الأطعمة التي يُحبّها الميكروبيوم وكذلك الأنواع التي لا يُحبّها.
على سبيل المثال هناك أشخاص عندما يتناولون الأرز، يقوم الميكروبيوم الموجود داخل الجسم بامتصاصه كُلّه
إلى الدم فيزداد وزنهم، والبعض الآخر لا يسمح الميكروبيوم خاصّتهم بامتصاص الأرز، لذا مهما كانت كمّيّة الأرز التي يتناولونها لا يزداد وزنهم. فالسمنة والنحافة تتأثّر بالميكروبيوم.
وإليك معلومة جديدة! هناك أبحاث أجريت على دود سي ايليغنز دورة حياته 3 أسابيع لمحاولة فهم تطور
الشيخوخة. وكان العجيب أن الشيخوخة ظهرت بمجرد بداية ضعف الميكروبيوم وظهور الارتشاح او الثقوب في الأمعاء .. قد يكون الأمر مُقزّزًا قليل ًا، ولكنّ أحدث صيحات العِلم في أمريكا اليوم هي زراعة الفضلات ،أخذ عيّنة من فضلات شخص ما وحقنها في شخصٍ آخر.
آسف، أعلم أن هذا يبدو مُقزّزًا، ول كن هل تعلمون أن هذه التقنية قد عالجت %90 من مرضى التهاب
القولون الم ُزمن ومرضى الحساسيّة ضد بعض الأغذية؟ كما أن بعض مُعالجي الأمراض العصبيّة يستخدمون زراعة الفضلات كوسيلة لعلاج مرضاهم.
كيف يتمّ نقل الميكروبيوم من شخص لآخر؟
يتم نقل الميكروبيوم بحالة ممتازة وصحّيّة من شخص سليم إلى شخص آخر لديه ميكروبيوم ضعيف غير صحي.ّ في احدى الدراسات حدث شيء غريب اذ كان مريض يعاني من التهاب القولون او الاسهال لمدة شهر فتمّ نقل ميكروبيوم شخص سليم إلى الشخص المريض، فتوقف الإسهال. بعد ثلاثة أو أربعة أشهر وجدوا هذا الشخص قد وصل إلى نفس وزن الشخص الذي انتقل منه الميكروبيوم، وليس هذا فقط، بل يزيد وزن الشخصان معا ،ً ويفقدان الوزن في نفس الوقت!
لقد تمّت مُعالجة الإسهال المزمن، وأيضا تغيّر شكل جسم الشخص الذي انتقل إليه الميكروبيوم، عن طريق زرع الفضلات.
ماذا تفعل من أجل ميكروبيوم صّحي؟
أوّلًا، بالنسبة للأطفال، فالحرص كل الحرص على الولادة الطّبيعيّة والرضاعة الطبيعيّة، فهذه هي البذور
الصّحيّة. أما بالنسبة لليافعين والبالغين، فهناك خياران:
تناول البروبيوتيك
• البروبيوتيك هي مكمّلات غذائيّة من البكتيريا الحيّة، والتي عند تناولها بكميات مناسبة تعطي فائدة
صحية للمضيف. في أوروبا، من الضروري أن تتناول البروبيوتيك مع المضاد الحيوي سواء للأطفال
أو البالغين، وفي حال نسي الطبيب أن يصف المضاد الحيوي مع البروبيوتيك، تجد الصيدلي ي ُعطي
المريض البروبيوتيك إلزاما .ً
• في الكثير من البلاد العربية، الطبيب يصف المضادّات الحيويّة فقط، وقليل منهم من يصف لمريضه
البروبيوتيك. لماذا؟ إذا قرأت على علبة المضادّات الحيويّة التي يتناولها طفلك، كثيرا ما ستجد كلمة
"واسع المجال". فما معنى واسع المجال؟ معنى هذا أن الم ُضاد الحيوي يُهاجم جميع أنواع البكتريا
والطُفيليّات وحتّى البكتريا المفيدة يُهاجمها!! لذا فاعلم ونبّه من حولك أن كثرة تناول المضادّات
الحيوي ّة، تؤدّي إلى تدمير الميكروبيوم، مما يؤدّي إلى زيادة الوزن، والرغبة الملحة للطعام، والقلق
والتوتّر العصبي ونوبات الاكتئاب، والتهابات وانتفاخات القولون، لأن المُضادات الحيويّة قامت بتدمير الميكروبيوم.
• لذلك أوّلا ً ي ُفضّل تناول البروبيوتيك. جرعة البروبيوتيك 10 ايام كل 3 شهور قرص صباحا،
ويفضل ان لا يكرر نفس النوع بل التنويع لتغيير البكتيريا داخل ال كبسولة. الأطعمة الغنيّة بالميكروبيوم
الأطعمة المُخمّرة غنيّة بالميكروبيوم. هنالك طبعا ال كثير غيرها من الأطعمة التي تحتوي على الميكروبيوم ولكن وفي الصّين المخلّلات المُخمّرة، مثل ال كومبوشا الياباني.
في بعض البلاد العربية، تجد الميكروبيوم في الحليب او اللبن الرائب والزبادي، أعني طبعا اللبن الرائب الذي لا يحتوي على السكّر، أو الزبادي المصنوع من لبن الغنم، أو البقر ولكن من مزارع لا تضيف الهرمونات الى طعام الحيوانات.
كيف اغذي الميكروبيوم لديّ؟
الميكروبيوم يتغذّى على الألياف وهي توجد بكثرة في اللوز، التفّاح، جميع أنواع الخضروات والفاكهة دون تقشيرها، لأن القشور غنيّة جًّدا بالألياف، والشوفان والكيوي والفراولة والتوت بكل أنواعه، فالألياف تحفز الميكروبيوم على التكاثر، كما تُحفّزه على بناء بيئة جيّدة.
الشوكولاتة الداكنة مُفيدة للميكروبيوم، وبعكسها فجميع المأكولات المحلاة والميكروبيوم الضار في الجسم، لذا فتناول الأطعمة الصحّيّة لم ُدّة شهر أو شهرين ي ُ عزِّز الميكروبيوم النافع الصّحي.
بعد ذلك ستبتعد تمامًا عن الأطعمة الضّارّة.
اهتم بالميكروبيوم حتى تتحسّن مناعتك وتكون في حال أفضل.